الخميس، 7 يونيو 2018

هجرة طائر *********محمد خالد الأمين


هجرة طائر
*********
قادتني الأقدار إلى بلاد البحيرات ، على رقعة من أراضي الله الواسعة ، نقشتها الوديان والأنهار حتى غدت كالدوالي على ساق أبيض ، وجبالها شامخة غطت حافة السماء ، بقمم بيضاء تعانق رماد السحاب ، وأرضها خضراء تزخرفها ألوان قزح الربيع.. لوحة بديعة من تشكيل قدرة الخالق .. إنها فردوس دنيوي يلائم الروح ...
زُرِعت في تربتها كشتلة غريبة ، وجدت وقتها صعوبة في التكيف ، ألفت ألوان جذوري الداكنة ، ألفت الأطلس والمسالك الضيقة والفج والدشر، ألفت الشيح والحلفاء والرمال ، وككشاف ألفت حياة الرحل وقطع المسافات ، والعيش على الخبز العاري والماء .....
وبعد مدة قصيرة أعماني نورهم ، وأبهرني سلوكهم ، حتى كدت أحلم أحيانا وأتساءل : هل وصل الفتح الى جبال الألب ؟؟ أم هو سلوك مكتسب من طبيعة البشر عبر أزمان ؟؟؟ أين المكر والخديعة والنفاق والغش والانتهازية والأنانية ؟؟؟..... أين الأمية والجهل ؟؟ مرادفات لا وجود لها بين ظهرانهم ، طبيعة منحت اللسان الصادق والتفكير المنطقي والعقل المدبر والعمل المتقن .....
لما دخلت كجسم غريب في كيانكم ، تم استحضار وسائل دفاعية من دراسات ومصل وتلقيح .
الانتظار والترقب هي غريزة طبيعية في الانسان والحيوان والنبات والجماد ....
يفرشون تارة تحت قدميك الأشواك ، وأخرى الورود ، ويتركون لك الاختيار ، حتى تحدد وجهتك ، وترسم مسارك ، ولا ثالث لهما .....
تبنيت العطر ، فسقوني وسمدوني قوتا ورمقا وعلما ، ورفعوا من هامتي ، حتى عيناي أخذت زرقة ، واكتوى شعري صفرة ، ونسيت أني طائر مهاجر خارب السرب .....
ومن جنانهم اخترت وردة جميلة شقراء ، عبقها عمني كاملا ،
جمالا وفكرا وروحا وقلبا ، ماسة صافية لا تشوبها الشوائب ،
انصهرنا وذبنا وامتزجنا حسب الحالات الطبيعية كذات واحدة، رغم أن قطفها كان مغصا عسيرا ، بحكم فصيلتها وتربتها ، وأخيرا ، سقطت الحببيات في المدقة ، وكان العش دافئا ......
ومرت سنوات على يخت السعادة كأنها أيام قليلة ، كنا نرتقي ولا نحسب الأدراج ، ووردتي تتفتح يوما بعد يوم ، توردت تويجاتها
وكنت سلطانها كفراش يستشف من رحيقها ، إلى أن جاء القدر بأجله المحتوم ، وحملتها رياح عاتية ،عبر أجنحة من دخان ، وتكسرت وسط الجليد ، وذبلت أوراقها ، ويبس ساقها ، وماتت....
وها أنا أعيش على أطلال الماضي ، أتفحص يومياتي ، وأشعر بحنين الى دربي ، ثم أتأوه وأفتخر ...
أنقش متاهات وأسلكها ، وأجد نفسي في بدايتها ، وأتساءل : لماذا يتوقف الزمن؟؟؟ وفي الأخير أدركت أن خاطري أصبح غير قادر على الصد ...
***************
محمد خالد الأمين
الصورة من الويب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.